اعلم أيها التائب أن الله يفرح بتوبتك إليه من رجل فرح بالحياة بعد أن شارف على الهلاك وأيقن بالممات قال عليه الصلاة والسلام " لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله تعالى قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه وفي رواية قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته " رواه البخاري ومسلم
4- اعلم أيها التائب أن الله يغفر ذنبك مهما كان كبيرا ، يقول الله تبارك وتعالى { وإني لغفار } لمن يا ربنا { لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } فمن تاب من كفره غفر الله له ، ومن تاب من الزنا غفر الله له ، ومن تاب عن الربا تاب الله عليه ومن تاب عن أي ذنب امتثالاً لوجه ربه الأعلى إلا غفر الله له وهو القائل سبحانه { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً } جميعها مهما كبرت ؟ مهما عظمت ؟! نعم ولو بلغت عنان السماء ولو بلغت ملأ الأرض وقرابها ، لأنه هو الغفار ، ولأنه هو الغفور الرحيم . ولأنه هو القائل في حديثه القدسي " يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة " صحيح الجامع .
5- اعلم أيها التائب أن الله عز وجل يغفر ذنبك ويعفو عن السيئات ، بل ويبدل السيئات حسنات ، فضلا من وإحسانا ، " أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أرأيت من عمل الذنوب كلها ولم يترك منها شيئا وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا أتاها فهل لذلك من توبة قال فهل أسلمت قال أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن قال وغدراتي وفجراتي قال نعم قال الله أكبر فما زال يكبر حتى توارى " صحيح الترغيب وهنا يتجلى قول الحق القائل { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } الفرقان
- ولكن للتوبة شروط أوجزها بالآتي :
1- الشرط الأول : أن تقلع أيها العاصي عن الذنوب والمعاصي ، فآكل الربا وجب أن يتركه صاحبه ، وتارك الصلاة والمتكاسل عنها وجب أن يحافظ عليها وعاق والديه وجب أن يبرهما وهكذا
2- الشرط الثاني : الندم على فعل الذنب ، والندم توبة بهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم
3- العزم الأكيد على ألا تعود إلى المعصية مرة ثانية بل تكره أن تعود إليها كما تكره أن تقذف في النار
4- أن تتوب في زمن التوبة وذلك قبل طلوع الشمس من مغربها وقبل أن تنام على فراش الموت
5- وهناك شرط خامس وهو خاص بحقوق الغير فإذا أكلت مال الغير أو ظلمته فتحلل منه ورد له حقه ورد له مظلمته قبل أن لا يكون ثمة درهم ولا دينار ولا متاع وإنما الحسنات والسيئات للحديث " قال عليه الصلاة والسلام " من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلله منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه " رواه البخاري
- فإذا حققت شروط التوبة فأكثر من الاستغفار وإن لم تفعل ذنبا ولك في حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فكان يستغفر الله في اليوم أو في المجلس مئة مرة وهو المعصوم وهو القائل " طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا " صحيح الجامع .
- والقائل " من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار " صحيح الجامع .
- فإذا كان ذلك كذلك فخذ بأسباب الدعاء ، فالدعاء سلاح فتاك لو علمت الأمة كيفية استخدامه قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي " أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني " صحيح الجامع . وقال أيضاً " فاستهدوني أََهدكم --- فاستطعموني أُطعمكم --- فاستكسوني أَكسكم --- فاستغفروني أغفر لكم " وقال عليه الصلاة والسلام " ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء " صحيح الجامع وقال " الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء " ص/ج .
- وقال " لا يرد القدر إلا الدعاء " وقال " إن الله رحيم كريم يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه ثم لا يضع فيهما خيرا " صحيح الترغيب
- وعليك أن تتحين الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء وهو في السجود ودبر الصلوات – أي بعد التحيات وقبل التسليم – وكذلك جوف الليل الغابر ويوم الجمعة وخاصة بعد العصر من يوم الجمعة ، وبين الآذان والاقامة إلى غير ذلك
- ودليل ما أوردناه ما جاء في الحديث قال عليه الصلاة والسلام " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء " . رواه مسلم وقوله " أقرب ما يكون العبد من الرب في جوف الليل فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن " صحيح الترغيب وجاء أيضاً " قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع قال جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات " صحيح الترغيب
- لماذا جوف الليل الأخير ؟ قال عليه الصلاة والسلام " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ " متفق عليه
- فلا تتركوا الدعاء عباد الله ، أين المحرومون ؟ أين الخائفون ؟ أين المحزونون ؟ أين المذنبون ؟ أين المظلومون ؟ أين المرضى ؟ أين الحيارى ؟ بأيديكم هذا السلاح العظيم فلا تتركوه
- ومن آداب الدعاء وقبل أن تشرع به عليك أن تحمد الله وتثني عليه بالذي هو له أهل ، وتصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأفضل ما تستفتح به دعاءك هو ما جاء في هذا الحديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال " لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب " صحيح أبي داود
- ودليل الصلاة على النبي بعد الثناء على الله تعالى قول علي رضي الله عنه " كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد صلى الله عليه وسلم " الترغيب
- فلا تستخفوا بالدعاء عباد الله
أتلعب بالدعاء وتزدريه ... وما يدريك ما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن ... لها أمد وللأمد انقضاء
فألحوا على الله بالدعاء فإن الله يحب العبد اللحوح ورحم الله من قال
لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسئل يغضب
وَلَرُب نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعا وعند الله منها المخرج ...
كملت فلما استحكمت حلقاتها ... فرجت وكان يظنها لا تفرج ...
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى