بالتوبة والاستغفار تحل النعم وبالمعصية والكفران تحل النقم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعــــــــــــــــــــــــــــــد
قال تعالى {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }النحل2
- هذه هي الحالة التي وصلنا إليها في غزة ، لباس الخوف والجوع ، لماذا يا ترى ؟ بما كانوا يصنعون
- وهل نصنع شيئاً يغضب الرب المعبود ؟ هذا السؤال وجب أن يجيب عليه كل واحد منا
- في غزة تجد سب الرب المعبود والعياذ بالله وسب الدين وسب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، ترك الصلوات ، القتل ، العجب ، الرياء ، السحر ، الربا ، الزنا ، العقوق ، الظلم ، أكل حقوق الغير ، اللعن ، السب ، الشتم ، أفلام ساقطة تتداول بين الشباب عبر النت والجوالات ، تهريب البانجو والمخدرات والمتاجرة بالمحرمات ، إلى أين نحن ذاهبون ؟
- لماذا لا نتضرع إلى الله تعالى بالدفاع ليرفع عنا العذاب ، وهو القائل { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }غافر 60 { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } البقرة 186
وقال عليه الصلاة والسلام " إن الله تعالى حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين " . رواه أحمد عن سلمان.
- قد يقول قائل والله إنا لندعو وندعو ولكن لا يستجاب لنا لماذا ؟ الجواب جاء في هذه الآية { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }وضع الله تعالى شرطين أساسين لاجابة الدعاء
أولهما " فليستجيبوا لي " والاستجابة هي فعل المأمورات كالطاعات وترك المنهيات كالمحرمات
والشرط الثاني " وَلْيُؤْمِنُوا بي " أي ويكون عملهم واستجابتهم خالصة لأجلي وامتثالاً لأمري لا يريد بذلك إلا وجه ربه الأعلى
- قد يقول قائل هناك من يعمل بهذين الشرطين ورغم ذلك يدعو ويدعو ولا يستجاب له
- الجواب أيضاً أنه ليس شرطاً أن يكون الخلل متمثلاً بك فحسب ، بل وقد يكون بالآخرين وما أكثره ، فما فائدة دعاء قلة قليلة مؤمنة والسواد الأعظم من الأمة متلبس بالذنوب والمعاصي
- فالخلل إما أن يكون من نفسك وهذا متمثل بقوله عليه الصلاة والسلام حيث ذكر رجلاً يطيل السفر أشعث أغبر – أي في الحج والجهاد - يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك " . أليس هذا مثال آكل الربا على سبيل المثال والقروض الربوية وآكل الارث وأموال اليتامى ظلما وغير ذلك
- أو متمثل بغيرك لقوله عليه الصلاة والسلام " ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا " صحيح أبي داود
- تجد المعاصي في البيوت من الزوجة والأبناء فضلاً عن غيرهما والرجل رب الاسرة والذي هو مسؤول أمام ربه جل وعلا عن أسرته للحديث " إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " صحيح الجامع.
- تراه لا يحرك ساكنا بل وقد يشاركهم فيما هم فيه ولا يأمرهم بالطاعات كالفرائض والصلوات ولا ينهاهم عن المعاصي والمحرمات ، وهكذا هو حال المجتمع الان والله المستعان
- إذن فما هو الحل ؟ حل هو التوبة والندم على ما فات مع ترك الذنوب والمعاصي المهلكات والانابة والاستكانة والتضرع إلى رب البريات كي يرفع عنا ما حل بنا من الخوف والجوع والافات والهلكات
- ومن الجدير بالذكر أن أمام هذه الأمة حصنان حصينين يحولان بينها وبين نزول العذاب عليها والهلاك ، الحصن الأول وهو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وقد رفع هذا الحصن بموته عليه الصلاة والسلام القائل " أنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون " صحيح الجامع
وبينما كان يوماً يصلي صلاة كسوف فلما كان في آخر سجوده فجعل ينفخ ويبكي أف أف ثم قال رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون " قال هذا لأنه رأى النار وهو في صلاته حتى دنت منه فخشي أن تحرق أصحابه " صحيح ابن خزيمة
وهذا هو الحصن الثاني وهو الاستغفار ، فوعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم ألا يعذب أمته مادام هو بين أظهرهم وأن لا يعذبهم وهم يستغفرون ، وهذا ما جاء في سورة الأنفال حيث قال العزيز الغفار {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الأنفال33
- فالحصن الأول ارتفع بموت الحبيب صلى الله عليه وسلم فبقي الحصن الثاني وهو الاستغفار والذي إذا تركه الناس أتاهم ما يُوعدون وعندها لا تسأل عن هلكتهم والله المستعان
- ورغم هذا كله هل استكنا إلى الله تعالى وتبنا إليه وتضرعنا ، قال تعالى { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ } لماذا يا ربنا ؟ لعلهم يعودون إليه سبحانه بالتوبة ويتضرعون له بالاستغفار ، فهل فعلنا بالطبع لا إلا ما رحم ربي ، ولهذا قال تعالى { فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ }
- اخوتي في الله من المعلوم أن المعاصي سبب كل داء وعناء وطريق كل تعاسة وشقاء ، ما أحلَّت في ديار إلا أهلكتها ، ولا فشت في مجتمعات إلا دمَّرتها وأزالتها ، وأما أهلك الله تعال أمة من الأمم إلا بذنب ، وما نجا وفاز من فاز إلا بتوبة وطاعة واستغفار ودعاء ،قال الواحد القهار { فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }
- وقال عليه الصلاة والسلام " ما اختلج عرق ولا عين إلا بذنب وما يدفع الله عنه أكثر " صحيح الجامع .
- فالبعصية تزال النعم وتحل النقم . فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ، ولا حلَّ فيه نقمة إلا بذنب . قال سبحانه وتعالى { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }
- فالله تعالى لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ هكذا أخبر وقال أيضاً:{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } الأنفال فإذا غيروا الحلال بالحرام والطاعة بالمعصية والشكران بالجحود والكفران ، فلا تسل عن هلكة العباد ، فالجزاء من الجنس العمل ، لما غيروا غير الله عليهم جزاء وفاقا وما ربك بظلام للعبيد
- فبالمعصية حل سخط الله هكذا أخبر النبي العدنان عليه الصلاة والسلام ، وبالطاعة حل رضا الرحمـن قال عليه الصلاة والسلام " وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته " صحيح الجامع
- فهيا بنا إلى الطاعة بعد التوبة والندم والاستغفار ، أبدأ بنفسي أولاً ثم أحثكم على هذا وأنتم بدوركم تحثون من تلتمسون فيه الخير حتى ننجو وينجى المجتمع من الدمار والهلاك
- ثمار يجنيها التائب العائد المنيب إلى ربه ، وإليكم بعض هذه الثمار
1- أيها التائب اعلم أن الله يحبك ، بهذا أخبر الرب المعبود والذي نرجو محبته ورضاه حيث قال الله تبارك وتعالى { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } وإذا أحبك الله عز وجل حبَّب فيك جبريل ، وحبَّبَ فيك أهل السماء ، وحبَّبك إلى أهل الأرض ، وإذا أحبك الله أيها التائب لا يعذبك في النار بل سيمن عليك بالرحمة والمغفرة والرضوان ودخول الجنان قال عليه الصلاة والسلام " و الله لا يلقي الله حبيبه في النار " صحيح الجامع .
2- اعلم أيها التائب أن الملائكة المقربين ، حملة العرش العظيم يدعون لك بالليل والنهار ، فاعلم هذا علم اليقين بهذا أخبر رب العالمين حيث قال في محكم التنزيل { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } ما شأنهم يا رب { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ } لمن يا ربنا { لِلَّذِينَ آمَنُوا } ماذا يقولون { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ* رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } غافر
3- اعلم أيها التائب أن الله يفرح بتوبتك إليه من رجل فرح بالحياة بعد أن شارف على الهلاك وأيقن بالممات قال عليه الصلاة والسلام " لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله تعالى قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه وفي رواية قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته " رواه البخاري ومسلم