القلادة السادسة
بالحجاب الشرعي يكثر سواد المسلمات، فالحجاب مظهر واضح للمرأة المسلمة، تميزت به عبر الأزمنة والعصور.
وقد رأيت ذلك التميز ظاهرا وواضحا في أفريقيا، وفي لبنان، واليمن، وغيرها من بلاد المسلمين- ولله الحمد-.
وقد ذكر أحد الدعاة القصة التالية بقوله: "كنت في زيارة لأحد المراكز الإسلامية في ألمانيا، فرأيت فتاة متحجبة حجابا شرعيا ساترا قل أن يوجد مثله في ديار الغرب، فحمدث الله على ذلك، فأشار علي أحد الإخوة أن أسمع قصة إسلامها مباشرة من زوجها، فلما جلست مع زوجها قال: زوجتي ألمانية أبا لجد، وهي طبيبة متخصصة في أمراض النساء والولادة، وكان لها عناية خاصة بالأمراض الجنسية التي تصيب النساء، فأجرت عددا من الأبحاث على كثير من المريضات اللائي كن يأتين إلى عيادتها، ثم أشار عليها أحد الأطباء المتخصصين أن تذهب إلى دولة أخرى لإتمام أبحاثها في بيئة مختلفة نسبيا، فذهبت إلى النرويج، ومكثت فيها ثلاثة أشهر، فلم تجد شيئا مختلفا عما رأته في ألمانيا، فقررت السفر للعمل لمدة سنة في السعودية.
تقول الطبيبة: "فلما عزمت على ذلك أخذت أقرأ عن المنطقة، وتاريخها وحضارتها، فشعرت بازدراء شديد للمرأة المسلمة، وعجبت منها كيف ترضي بذل الحجاب وقيوده؟! وكيف تصبر وهي تمتهن كل هذا الامتهان..؟!
ولما وصلت إلى السعودية علمت أنني ملزمة بوضع عباءة سوداء على كتفي، فأحسست بضيق شديد وكأنني أضع إسارا من حديد يقيدني ويشل حريتي وكرامتي. ولكنني آثرت الاحتمال رغبة في إتمام أبحاثي العلمية.
لبثت أعمل في العيادة أربعة أشهر متواصلة، ورأيت عددا كبيرا من النسوة، ولكني لم أقف على مرض جنسي واحد على الإطلاق؛ فبدأت أشعر بالملل والقلق.. ثم مضت الأيام حتى أتممت الشهر السابع، وأنا على هذه الحالة حتى خرجت ذات يوم من العيادة مغضبة ومتوترة، فسألتني إحدى الممرضات المسلمات عن سبب ذلك، فأخبرتها الخبر، فابتسمت وتمتمت بكلام عربي لم أفهمه، فسألتها: ماذا تقولين؟ فقالت: إن ذلك ثمرة الفضيلة، وثمرة الالتزام يقول الله- تعالى- في القرآن الكريم: { والحافظين فروجهم والحافظات } [الأحزاب: 35].
هزتني هذه الآية، وعرفتني بحقيقة غائبة عني، وكانت تلك بداية الطريق للتعرف الصحيح على الإسلام، فأخذت أقرأ القرآن العظيم والسنة النبوية، حتى شرح الله صدري للإسلام، أيقينت أن كرامة المرأة وشرفها إنما هو في حجابها وعفتها.. وأدركت أن أكثر ما كتب في الغرب عن الحجاب والمرأة المسلمة إنما كتب بروح غربية مستعلية لم تعرف طعم الشرف والحياء..
إن الفضيلة لا يعدلها شيء، ولا طريق لها إلا الالتزام الجاد بهدي الكتاب والسنة، وما ضاعت الفضيلة إلا عندما استخدمت المرأة ألعوبة بأيدي المستغربين وأباطرة الإعلام.
القلادة السابعة
أبشري يا محجبة بالرفعة في الدنيا والآخرة؟ قال صلى الله عليه وسلم: « إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة... » [ رواه البخاري].
دخل إبراهيم الخواص على أخته ميمونة- وكانت أخته لأمه- فقال لها: إني اليوم ضيق الصدر.
فقالت له: من ضاق قلبه ضاقت عليه الدنيا بما فيها، ألا ترى الله يقول: { حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم } لقد كان لهم في الأرض متسع، ولكن لما ضاقت عليهم أنفسهم؛ ضاقت عليهم بما فيها الأرض.
القلادة الثامنة
إذا النساء جعلن قلائد من ذهب وفضة والماس.. دونك قلادة الدعوة.. فالحجاب دعوة صامتة إلى هذا الدين بالالتزام بالأوامر، فكم من امرأة أسلمت عندما رأت تمسك المسلمة بالحجاب وتساءلت: ما هو هذا الحجاب؟. وتتبعت حتى هداها الله- عز وجل-.
وكم من امرأة كافرة سألت وهي ترى التفاوت في أنواع الحجاب: هل هؤلاء مسلمات؟ تلك شعرها يراه الغادي والرائح، والأخرى وجهها مكشوف، والثالثة النحر باد، والرابعة لا يرى منها شيء؛ فلها الحق أن تتساءل أليس كلهن مسلمات؟!.
القلادة التاسعة
قلادة عز وفخر، وفرح وسرور أن تكون لك عقبى الدار، جزاء صبرك على الحجاب والتمسك به؛ ابتغاء وجه الله، قال - تعالى-: { والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنققوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار } [ الرعد: 22].
قال عبدالرحمن بن زيد بن جابر: قلت ليزيد بن مرثد: مالي أرى عينك لا تجف؟ قال: وما مسألتك عنها؟ قلت: عسى الله أن ينفعني به، قال: يا أخي، إن الله قد توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار، والله لو لم يتوعدني إلا في الحمام لكنت حريا أن لا تجف لي عين، فقلت له: فهكذا أنت في خلواتك؟ قال: وما مسألتك عنها، قلت: عسى الله أن ينفعني به، فقال: والله، إن ذلك ليعرض لي حين أسكن إلى أهلي، فيحول بيني وبين ما أريد، وإنه ليوضع الطعام بين يدي فيعرض لي، فيحول بيني وبين أكله، حتى تبكي امرأتي ويبكي صبياننا، ما يدرون ما أبكانا.
القلادة العاشرة
بالحجاب تنالين الأجر والمثوبة على التعب والمشقة في الحر وعند المشي التزاما بما أمر به الله- عز وجل-، ولك أجر آخر هو أجر الصبر عن معصية الله. { وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا } [الإنسان: 12].
قال ابن كثير- رحمه الله-: "أي بسبب صبرهم أعطاهم ونولهم وبوأهم جنة وحريرا، أي منزلا رحبا وعيشا رغيدا ولباسا حسناً"
وأذكر أن معلمة رأت طالبة خارجة من باب المدرسة ويدها اليمنى تمسك بعباءتها حتى لا يحركها الهواء الشديد وتظهر يدها، فقالت لها: "هذه اليد في عبادة عظيمة".
قال داود الطائي: "ما أخرج الله عبدا من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا بشر".
القلادة الحادية عشر
أن في نزع الحجاب مجاهرة عظيمة، وشر المجاهرة خطير قال صلى الله عليه وسلم « كل أمتي معافى إلا المجاهرون » [رواه البخاري ومسلم]؛ لأن المجاهر ينشر الفساد، ويظهره في الأمة، ويدعو له ويزينه، ويبارز الله- عز وجل- بالمعصية.
القلادة الثانية عشر
من ثمرات الحجاب الشرعي الفلاح والفوز، قال- تعالى-{ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } [ آل عمران: 200].
قال الحسن: " أمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه لهم وهو الإسلام، فلا يدعوه لسراء، ولا لضراء، ولا لشدة، ولا لرخاء حتى يموتوا مسلمين ".
وتأملي في حال تلك المرأة العظيمة. عن عطاء: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ هذه المرأة السوداء، أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني أصرع، فادع الله لي، فقال: « إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك » فقالت: أصبر، ثم قالت: يا رسول الله، إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها. [رواه البخاري].
رضي الله عنها صبرت على الصرع ونالت الجنة، لكنها لم تصبر على أن يرى الرجال جسدها حتى وهي في حالة الغيبوبة. فكيف بمن هي في حالة الصحة والعافية وتعرض مفاتنها للرجال الأجانب، وقد حرم الله- عز وجل- ذلك عليها.
القلادة الثالثة عشر
قري بحجابك عينا، فأنت في عمل صالح يحبه الله- عز وجل-، فيه المغفرة والرضوان، قال- عز وجل-: { إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير } [هود: 11]. قال ابن ضبارة: "إنا نظرنا فوجدنا الصبر على طاعة الله تعالى أهون من الصبر على عذاب الله- تعالى- فاصبروا- يا عباد الله- على عمل لا غنى لكم عن ثوابه، واصبروا على عمل لا صبر لكم على عقابه ".
القلادة الرابعة عشر
قلادة إسلامية.. تشع نورا وحبورا، تدخل السرور على أهل الإسلام، شيبا وشبابا، فهم إذ رأوا تمسك المسلمات بهذا الجانب، تسر قلوبهم، وتنشرح صدورهم، بهذا القبول والتسليم لأمر الله- عز وجل-، لأن أهل الطاعة يحبون طاعة الله- عز وجل-، وأهل المعصية يحبون المعصية وأهلها، ويسرون برؤيتهم وإعانتهم.
وأذكر أن صديقا سافر مع أمريكي مسلم وزوجته الأمريكية إلى أمريكا، ولما جاء الحديث بعد عودته سأله أحد الحضور: زوجته سوداء، أم بيضاء مثله؟ قال: والله لم أر منها ظفرا ولا يدا، ولا أعلم هل هي بيضاء أم سوداء، مع أنى رافقتهم من الرياض إلى نيويورك، ومن ثم إلى ثلاثة مطارات داخلية، فلله درها من مسلمة ملتزمة.
القلادة الخامسة عشر
لك من جواد كريم، ورب رحيم ثواب نصر الإسلام وإظهار شعائره، خاصة في هذا الزمن الذي تفلت فيه الحجاب في أماكن كثيرة. قال- تعالى-: { ولينصرن الله من ينصره } [الحج: 40].
القلادة السادسة عشر
أن تحشري مع من أحببت، من الصالحات والعابدات، قال : « المرء مع من أحب » [رواه البخاري]. وهل أغلى وأعظم من أن تحشري مع عائشة، وفاطمة، وصفية، وسمية. الحجاب والتمسك به.
القلادة السابعة عشر
كثرت عليك القلائد، ومن احق منك بذلك وأولئ.. من ثمرات الحجاب نشر الفضيلة وقمع الرذيلة، وذلك بإحياء سنة اندثرت أو فجرت أو ضيعت.. قال صلى الله عليه وسلم: « من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا » [رواه البخاري].
وعلى عكس ذلك من تدعو إلى التبرج والسفور فيلحقها إثمها، وإثم من تبعها، قال الشاطبي- رحمه الله-: "طوبى لمن مات وماتت معه ذنوبه، والويل لمن مات وبقيت ذنوبه مائة سنة ومائتي سنة".
القلادة الثامنة عشرة
يا عفيفة: بالتزامك بالحجاب الشرعي تخرجين من دائرة حجاب النفاق، فإنه الحجاب المخالف للشروط الشرعية نفاق واستهتار بالأوامر.
وتكونين- بإذن الله- من خيار المؤمنات اللاتي يقتدى بهن.
قال الشيخ السعدي- رحمه الله- "فالداعون إلى الهدى هم: أئمة المتقين وخيار المؤمنين، والداعون إلى الضلالة هم: الأئمة الذين يدعون إلى النار".
القلادة التاسعة عشر
من أنصع علامات ارتداء الحجاب التعاون علئ البر والتقوى، فلك في ذلك نصيب- بإذن الله- قال الله- تعالى: { وتعانوا على البر والتقوى } [ المائدة: 2].
عن الحسن: قال: "يا بن آدم، إذا رأيت الناس في خير فيه، وإذا رأيتهم في هلكة فذرهم وما اختاروا لأنفسهم، أقواما آثروا عاجلتهم على عاقبتهم، فذلوا وهلكوا".
القلادة العشرون
يانقية : إعفاف نظر الرجل المسلم من الوقوع على المفاتن، ومحبة الخير لهم قال صلى الله عليه وسلم : « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه » [رواه البخاري].
ولأن العين تزنى كما قال صلى الله عليه وسلم: « ... فزنا العين النظر » [رواه البخاري].
وأذكر أن شابا تحدث عن سبب انحرافه: بأنه رأى امرأة متبرجة فزين له الشيطان طريق الغواية، ولا زال يدعو على تلك المرأة إلى اليوم؛ بسبب فتنتها له.
القلادة الحادية والعشرون
قلادة لا تحملها إلا الموفقات، ممن أراد الله- عز وجل- بهن خيرا.. ففي الحجاب إرهاب للمنافقين، ومن يريد بالإسلام وأهله شرا، إذا رأى كثرة المتحجبات وانتشار الحجاب يأخذه الغيظ، ويهزمه النكد. قال الله- تعالى-: { قل موتوا بغيظكم } [ آل عمران: 119].