لقَابِضُ الباسط جل جلاله (2)
بقلم/ خالد بن محمد السليم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أكرم خلقه أجمعين وبعد :
فقد تقدم بعض الكلام على معنى هذين الاسمين الشريفين لله وبعض آثار اسم الله الباسط
وهنا سأتطرق لبعض آثار اسم الله القابض
فمنها : أن يوقن العبد الذي حرم شيئا من الدنيا,ولم يقدر له مع السعي في تحصيله :
أن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه فكم عطاء كان سببا للشقاء , فلعل الله حرمه لتصفو نفسه لمولاه وتقر عينه بربه كما كان نبيه عليه الصلاة والسلام الذي جعلت قرة عينه في صلاته فلا يجد العبد لذة في سوى مرضاة الله ولا تجد نفسه سعادة ولا نعيم ولا سرور إلا بالقيام بعبوديته سبحانه , فإذا حصل للنفس هذا القدر الجليل فأي فقر يخشى معه , وأي غنى فاتها حتى تلتفت إليه, فالغنى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ليس عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس) [1]
وفي القدر خفايا أسرار ولو كشف للعبد قدره لما اختار غير ما يقضيه الله له.
أوليس قارون قد أوتي من الملك ما كانت مفاتيح خزائنه لا يطيق حملها أشداء الرجال إلا بمشقة فكيف بالخزائن نفسها حتى تمنى السذج من الخلق ما عنده ولم يتفطنوا أن المسألة امتحان صعب عسير . فماذا كانت النتيجة ؟! اغتر قارون بملكه ونسي المنعم حتى بلغ الطغيان حده وخرج في أبهى صورة , فأراد الله أن يبين لهم حال قارون في الدنيا قبل الآخرة وأن ماله وملكه لم يزده من الله إلا بعدا فخسف به الأرض , فحينها علم المغترون عظيم الحكمة الربانية في عدم إعطائهم ما أعطي قارون , قال تعالى : (وَأَصْبَحَ الذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [القصص:82]، "وكلامهم ندم وتوبة ورجاء ، فندموا أن تمنوا مكان قارون وزعموا أنه ذو حظ عظيم ، وتابوا إلى الله عن تمني الدنيا إلا بحقها , وأن الله حكيم في بسطها وقبضها ، وكان رجاءهم في ربهم أن يحفظهم بالإيمان وألا يجعلهم مفتونين كما فتن قارون لما بسط الله له الدنيا "[2]
ومنها : أن يعلم العبد الذي لم يوسع ربه عليه أن الله زوى الدنيا عن كثير من أوليائه رحمة من الله بهم وحبا لهم ولنا في النبي صلى الله عليه وسلم أسوة الذي لم يجد للضيف يوما في أبياته التسعة طعاما لا تمرا ولا غيره سوى الماء حتى خرج للناس فقال من يضيف ضيف رسول الله ؟!
و دخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم (وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ , وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُورًا وَعِنْدَ رَأْسِهِ أُهُبًا مُعَلَّقَةً فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَيْتُ فَقَالَ مَا يُبْكِيكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمَا الدُّنْيَا وَلَنا الْآخِرَةُ)[3]
ولم يجد يوما ما يشتري به طعاما لأهله فرهن درعه ومات بأبي هو وأمي يوم مات ولا تزال الدرع مرهونة لم يجد ما يخلص به رهنه! وهو أكرم الخلق على الله الذي لو رغب النبي في الدنيا لأعطاه ( تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) [الفرقان :10 ]
و الفقراء هم أكثر أهل الجنة فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(تَحَاجَّتْ النَّارُ وَالْجَنَّةُ فَقَالَتْ النَّارُ أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ وَقَالَتْ الْجَنَّةُ فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَعَجَزُهُمْ فَقَالَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَقَالَ لِلنَّارِ أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ مِلْؤُهَا فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ فَيَضَعُ قَدَمَهُ عَلَيْهَا فَتَقُولُ قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ) [4]