ورجل تعلّم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتى به فعرفه نعمته فعرفها فقال: فما عملت؟! قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت القرآن. قال: كذبت، ولكن تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال قاري، فقد قيل. ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار.
ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من صنوف المال، فأتى به فعرفه نعمته فعرفها. قال: فما عملت بها؟! قال: ما تركت من سيبل يحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: جوا، فقد قيل. ثم أمر به على وجهه حتى أُلقي في النار". [رواه مسلم].
درجات الإخلاص:
الدرجة الأولى:
إخراج رؤية العمل عن العمل، والخلاص عن طلب العوض عن العمل، والنزول عن الرضى بالعمل.
فالأولى: يشاهد منة الله تعالى وتوفيقه له على هذا العمل: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ).
الثانية: ليعلم إنه عبد محض، والعبد لا يستحق على خدمته لسيده عوض.
الثالثة: مطالعته عيوبه وآفاته وتقصيره فيه.
الدرجة الثانية:
الخجل من العمل مع بذل المجهود حيث لا يرى العمل صالحا لله مع بذل المجهود (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ). فالمؤمن جمع إحساناً في مخافة، وسوء ظن بنفسه.
الدرجة الثالثة:
إخلاص العمل بالخلاص من العمل، إلا بنور العلم، فيحكمه في العمل حتى لا يقع في البدعة.(17)
ثمار الإخلاص:
لا بد من أمرين هامين عظيمين أن تتوفرا في كل عمل وإلا لم يقبل:
1- أن يكون صاحبه قد قصد به وجه الله تعالى.
2- أن يكون موافقا لما شرعه الله تعالى في كتابه أو بينه رسوله في سنته.
فإذا اختل واحد من هذين الشرطين لم يكن العمل صالحاً ولا مقبولاً، ويدل على هذا قوله تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً).
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: " وهذان ركنا العمل المتقبل؛ لا بد أن يكون خالصًا لله، صواباً على شريعة رسول الله". أ.هـ
ولهذا من ثمار الإخلاص:
1- تفريج الكربات ( قصة الثلاثة – قصة عكرمة – قصة أصحاب الكهف).
2- الانتصار: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ).(18)
3- العصمة من الشيطان: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ).(19) (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ). (20)
4- نيل شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "قلت يا رسول الله؛ من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟! فقال: لقد ظننت يا أبا هريرة، أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث. أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قِبَل نفسه".
5- مغفرة الذنوب ونيل الرضوان: كما في حديث البطاقة، والمرأة البغي التي سقت الكلب، والرجل الذي أزاح الشجرة من الطريق.