المشركون قديماً وحديثاً
إن الكثيرين من الناس من مرتادي القبور والمزارات يقولون إن المشركين في الجاهلية كانوا يعبدون الأصنام، أما نحن فلا أصنام عندنا نعبدها، بل لدينا قبور لبعض المشايخ والصالحين لا نعبدها ولكننا فقط نسأل الله أن يقضي حاجتنا إكراماً لهم، والعبادة غير الدعاء.
ونقول لهؤلاء إن طلب المدد والبركة من الميت هو في الحقيقة دعاء، كما كانت الجاهلية تدعو أصنامها تماماً ولا فرق بين الصنم الذي يعبده المشركون قديماً وبين القبر الذي يعيد الناس ساكنه حديثاً فالصنم والقر والطاغوت كلها أسماء تحمل معنى واحداً وتطلق على كل عبد من دون الله سواء كان إنساناً حياً أو ميتاً أو جماداً أو حيواناً أو غير ذلك، ولما سئل المشركون قديما عن سبب توسلهم بالأصنام ودعائهم لها كان جوابهم كما في قوله تعالى: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] أي وسطاء بيننا وبين الله لقضاء حاجاتنا، ومن ذلك يتبين أنه لا فرق بين دعوى الجاهلية الأولى وبين عباد القبور الذين ينتسبون إلى الإسلام اليوم فغاية الجمع واحدة وهي الشرك بالله ودعاء غير الله.
شرك المحبة
إن مجرد انصراف القلب والمشاعر كلها إلى مخلوق بالحب والتعظيم فيما لا يجوز إلا لله يعتبر عبادة له، فالذين يزعمون أنهم يحبون الموتى من الأولياء والصالحين لكنهم يعظمونهم ويقدسونهم بما يزيد عن الحد الشرعي هم في الحقيقة يعبدونهم لأنهم من فرط حبهم لهم انصرفوا إليهم فجعلوا لهم الموالد والنذور وطافوا حول قبورهم كما يطوفون حول الكعبة واستغاثوا بهم وطلبوا المدد والعون منهم، ولولا التقديس والغلو فيهم ما فعلوا كل ذلك من أجل الموتى، ومن غلوهم فيهم أيضاً أنهم يحرصون على أن يحلفوا بهم صادقين، بينما لا يتحرجون من أن يحلفوا بالله كاذبين هازلين، والبعض منهم قد يسمع من يسب الله تعالى فلا يغضب لذلك ولا يتأثر بينما لو سمع من يسب شيخه لغضب غضباً شديداً، أليس في ذلك غلو في أوليائهم ومشايخهم أكثر من تعظيمهم لله؟ وأن محبتهم لهم غلبت محبة الله، قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ [البقرة:165]. وهذا النوع من الشرك هو شرك المحبة.
الله قريب من عباده
إن الله تعالى قريب من عباده، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]. فليس بين الله وبين عباده ما يمنع من مناجاته واللجوء إليه وطلب الحاجة منه مباشرة حتى يلجأ الإنسان إلى قبور الموتى يتوسل بهم ويدعوهم ليشفعوا له عند الله ويسألهم ما لا يملكون ويطلب منهم ما لا يقدرون عليه. بل يجب على الإنسان أن يلجأ إلى ربه مباشرة وأن يسأله بلسانه هو، ويتوسل إليه التوسل المشروع وذلك بالتقرب إليه بالطاعات والأعمال الصالحة ودعائه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وأن يكون معتقداً تمام الإعتقاد أن الله تعالى هو المعز المحيي المميت الرازق النافع المدبر لشؤون الحياة كلها وأن بيده وحده النفع والضر، وأن يعتقد أنه لا يستطيع أي إنسان مهما عظم شأنه عند الله وعند الناس أن يضر أحداً أو ينفعه بشيء لم يكتبه الله له قال : { واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك } فإذا كانت الأمة كلها لو اجتمعت على أن تنفع الإنسان أو تضره لم تستطع ذلك إلا بشيء قد كتبه الله، فالفرد سواءً كان حياً أو ميتاً من باب أولى، إنه لن ينفع ولن يضر أحداً إلا بشيء قد كتبه الله. إذاً فما الداعي لدعاء من لا ينفع ولا يضر؟ أليس ذلك هو غاية الجهل والضلال؟ بلى والله.
لذا فيجب على كل من ابتلي بمثل هذه الشركيات وهذه البدع والخرافات من طواف على القبور وتعظيمها وسؤال أصحابها الحاجات وتفريج الكربات، يجب عليه أن يتوب إلى الله من هذا العمل الفاسد الذي هو في الحقيقة شرك بالله تعالى وصاحبه مخلد في النار والعياذ بالله. قال تعالى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]. وأن يخلص العبادة لله وحده لا شريك له في كل شأن من شؤون حياته إن كان صادقاً في إسلامه، وأن لا يلتفت لأحد من الخلق كائناً من كان لا في دعاء ولا غيره مما لا يقدر عليه إلا الله. وأن يلتزم كتاب الله وسنة رسوله وأن لا يخالط أهل البدع وأهل الشرك لئلا يتأثر بهم ويقلدهم فيهلك معهم ويخسر الدنيا والآخرة. والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.