احتفل بدو شبه جزيرة سيناء بمصر مساء الثلاثاء الماضي بما يسمى أربعاء أيوب -وهو احتفال يأتي قبل احتفال المصريين بشم النسيم - والذي كان حتى وقت قريب يمثل يوما منتظرا للباحثين عن الشفاء وهم يستعيدون ما يقولون إنه حدث لنبي الله أيوب عليه السلام عندما غمرت مياه البحر الأبيض المتوسط على سواحل مدينة العريش المصرية جسده الطاهر وشفي بأمر الله من مرضه العضال الذي ألم به وهو برفقة زوجته الصابرة .
أسطورة أيوب
ووفقا للأسطورة التي يتداولها أبناء سيناء، بدوا وحضرا، إضافة إلى بقية المجتمعات المنتشرة حول شاطئ البحر الأبيض المتوسط بفلسطين ولبنان، كما يقول خبير التراث الشعبي البدوي "مسلم الحوص"، فالأسطورة تقول: إن نبي الله أيوب بعد رحلته الطويلة مع مرضه العضال الذي ألم به وجعل من شفائه أمرا مستحيلا حملته زوجته وهي تسير به على شاطئ البحر المتوسط بحثا عن علاج لهذا المرض الذي قد بلغ به مبلغه، وفي مسيرتها على سواحل البحر المتوسط وعلى شاطئ منطقة العريش التي وصلت إليها مع توقيت مغيب الشمس ركنت قليلا للاستراحة من عناء المسير وتركت نبي الله أيوب بالقرب من مياه البحر الذي غمرته أمواجه، وكانت المعجزة في شفائه من دائه العضال الذي عانى منه أربعين عاما متواصلة.
ومن هنا كان تخليد هذه المناسبة في الأعراف الشعبية، حيث جرت العادة أن يشهد هذا اليوم خروج آلاف من أبناء سيناء للوقوف على شاطئ البحر لتأمل لحظة الغروب في هذا اليوم، والذي قد يصادف سكون الأمواج عن الحركة في مثل هذا التوقيت من كل عام، وهو ما جعل كثيرين من رواد الشاطئ في هذا اليوم يستغلون لحظة السكون هذه للدفع بأجسادهم في مياه البحر وبعضهم يحمل علة أو مرضا عجز الطب عن علاجه ويأمل أن يكون من المحظوظين بلحظة شفاء في هذه التوقيت، وكان إلى وقت قريب هناك مشاهد للاحتفال يختلط فيها الجهل بالفطرة، حيث تجتمع النساء اللواتي حرمن من نعمة الإنجاب ويرتمين في حضن الأمواج في توقيت الغروب في مثل هذا اليوم، وهن يتمتمن بأمانيهن أن يرزقن بمولود، ورغم أن هذه المظاهر تكاد أن تكون اختفت فإن تخليد هذا اليوم لازال باقيا.
طقوس تندثر
ويشير نايف سلامة أبو قادوس، مسئول جمعية البادية للثقافة والتراث الشعبي، إلى أن احتفال البدو في سيناء بهذه المناسبة كان له طقوس وعادات مرتبطة بالنسق الاجتماعي الذي يعيشونه في الصحراء، ومن هنا فقد ظن بعض الباحثين والدارسين أثناء رصدهم وتوثيقهم للتراث الشعبي أنها تأخذ أشكالا أسطورية يختلط فيها الجهل بالدجل.
وما كان ولازال متعارفا عليه أن شهر أبريل من كل عام يمثل مرحلة الانتقال من فصل الشتاء إلى الصيف فيطوي البدو بيوت الشعر ويستعدون للرحيل وتغيير منازلهم؛ لذلك جبلت عادتهم على أن يقومون في هذا اليوم، والذي يناسب يوم أربعاء أيوب، بالذهاب إلى شاطئ البحر والمبيت هناك حيث تنحر الذبائح ويقومون بغسل بيوت الشعر المصنوعة من صوف الأغنام وشعر الماعز لتخزينها للعام القادم وجز شعر حلالهم من الدواب وغسلها في مياه البحر التي يتواجدون فيها في مثل هذا اليوم؛ لأجل اعتقاد راسخ في أذهانهم أنه يوم مناسب لأن يأملوا الشفاء من الله، ويقومون بتقليد فعل ما يظن أنه قام به نبي الله أيوب عندما غمرته مياه البحر.
فسحة عادية
الشيخ مسلم، أحد أبناء قبيلة السواركة بسيناء والذي يبلغ من العمر 75 عاما، يقول: كنا في الماضي نحتفل بهذا اليوم بالخروج الجماعي صغارنا وكبارنا من بعد الظهر حتى صباح اليوم التالي، وفي لحظات الغروب الكل يتسابق لأن يحظى بأن تمس جسده مياه البحر، وآخرون يعبئون المياه في أوعية لنقلها إلى بيوتهم والاستحمام بها هناك، خصوصا السيدات والفتيات، وحاليا تغير الوضع تماما، ومنذ 10 سنوات أصبحت هذه المناسبة مجرد يوم للفسحة العادية لقليل ممن لازالوا يحتفظون بذكرى هذا اليوم وغيرهم من الشباب والسائحين المتفرجين ليس أكثر.