حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال أخبرنا سعيد بن سليمان قال حدثنا عباد عن ابن عون عن ابن سيرين عن أنس
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ من شعره
*************************************************
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْله : ( حَدَّثَنَا عَبَّاد )
هُوَ اِبْن عَبَّاد الْمُهَلَّبِيّ , وَقَدْ نَزَلَ الْبُخَارِيّ فِي هَذَا الْإِسْنَاد لِأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ شَيْخ شَيْخه سَعِيد بْن سُلَيْمَان , بَلْ سَمِعَ مِنْ أَبِي عَاصِم وَغَيْره مِنْ أَصْحَاب اِبْن عَوْن فَيَقَع بَيْنه وَبَيْن اِبْن عَوْن وَاحِد , وَهُنَا بَيْنه وَبَيْنه ثَلَاثَة أَنْفُس .
قَوْله : ( لَمَّا حَلَقَ )
أَيْ : أَمَرَ الْحَلَّاق فَحَلَقَهُ , فَأَضَافَ الْفِعْل إِلَيْهِ مَجَازًا , وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَجَّة الْوَدَاع كَمَا سَنُبَيِّنُهُ .
قَوْله : ( كَانَ أَبُو طَلْحَة )
يَعْنِي الْأَنْصَارِيّ زَوْج أُمّ سُلَيْمٍ وَالِدَة أَنَس , وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عَوَانَة فِي صَحِيحه هَذَا الْحَدِيث مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن سُلَيْمَان الْمَذْكُور أَبَيْنَ مِمَّا سَاقَهُ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحِيم وَلَفْظه " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْحَلَّاق فَحَلَقَ رَأْسه , وَدَفَعَ إِلَى أَبِي طَلْحَة الشِّقّ الْأَيْمَن , ثُمَّ حَلَقَ الشِّقّ الْآخَر فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمهُ بَيْن النَّاس " . وَرَوَاهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَام بْن حَسَّان عَنْ اِبْن سِيرِينَ بِلَفْظِ " لَمَّا رَمَى الْجَمْرَة وَنَحَرَ نُسُكه نَاوَلَ الْحَالِق شِقّه الْأَيْمَن فَحَلَقَهُ , ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَة فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ , ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقّ الْأَيْسَر فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَة فَقَالَ : اِقْسِمْهُ بَيْن النَّاس " , وَلَهُ مِنْ رِوَايَة حَفْص بْن غِيَاث عَنْ هِشَام أَنَّهُ قَسَمَ الْأَيْمَن فِيمَنْ يَلِيه , وَفِي لَفْظ " فَوَزَّعَهُ بَيْن النَّاس الشَّعْرَة وَالشَّعْرَتَيْنِ , وَأَعْطَى الْأَيْسَر أُمّ سُلَيْمٍ " , وَفِي لَفْظ " أَبَا طَلْحَة " وَلَا تَنَاقُض فِي هَذِهِ الرِّوَايَات , بَلْ طَرِيق الْجَمْع بَيْنهَا أَنَّهُ نَاوَلَ أَبَا طَلْحَة كُلًّا مِنْ الشِّقَّيْنِ فَأَمَّا الْأَيْمَن فَوَزَّعَهُ أَبُو طَلْحَة بِأَمْرِهِ وَأَمَّا الْأَيْسَر فَأَعْطَاهُ لِأُمِّ سُلَيْمٍ زَوْجَته بِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا , زَادَ أَحْمَد فِي رِوَايَة لَهُ لِتَجْعَلهُ فِي طِيبهَا , وَعَلَى هَذَا فَالضَّمِير فِي قَوْله " يَقْسِمهُ " فِي رِوَايَة أَبِي عَوَانَة يَعُود عَلَى الشِّقّ الْأَيْمَن , وَكَذَا قَوْله فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ " فَقَالَ اِقْسِمْهُ بَيْن النَّاس " قَالَ النَّوَوِيّ : فِيهِ اِسْتِحْبَاب الْبُدَاءَة بِالشِّقِّ الْأَيْمَن مِنْ رَأْس الْمَحْلُوق , وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَة , وَفِيهِ طَهَارَة شَعْر الْآدَمِيّ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُور وَهُوَ الصَّحِيح عِنْدنَا , وَفِيهِ التَّبَرُّك بِشَعْرِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَوَاز اِقْتِنَائِهِ , وَفِيهِ الْمُوَاسَاة بَيْن الْأَصْحَاب فِي الْعَطِيَّة وَالْهَدِيَّة . أَقُول : وَفِيهِ أَنَّ الْمُوَاسَاة لَا تَسْتَلْزِم الْمُسَاوَاة . وَفِيهِ تَنْفِيل مَنْ يَتَوَلَّى التَّفْرِقَة عَلَى غَيْره , قَالَ : وَاخْتَلَفُوا فِي اِسْم الْحَالِق فَالصَّحِيح أَنَّهُ مَعْمَر بْن عَبْد اللَّه كَمَا ذَكَرَ الْبُخَارِيّ , وَقِيلَ : هُوَ خِرَاش بْن أُمَيَّة وَهُوَ بِمُعْجَمَتَيْنِ ا ه . وَالصَّحِيح أَنَّ خِرَاشًا كَانَ الْحَالِق بِالْحُدَيْبِيَةِ . وَاَللَّه أَعْلَم .