المؤمن كالغيث
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسأل
الله لي ولكم العون والسداد وأن يحسن لنا الخواتيم ..
بالأمس القريب
جدا ( وقت كتابة المقال )
كنت عائدا من رحلة مدرسية مع بعض الطلاب
في المرحلة المتوسطة ..
وكانت غاية في الروعة .. تبادلنا فيها
الابتسامات ..
واستمتع الكثير من الطلاب مثل ما استمتعنا نحن
كمعلمين ..
فقد يلعب المعلم مع المعلم وقد ألعب مع الطالب .. في جو
يسوده الألفة بعيدا عن مقعد الدراسة ..
الذي ينفر منه غالب الطلبة
اليوم ..
حتى نحن أحيانا كطلاب دراسات عليا نواصل الدراسة حاليا في
الفترة المسائية ..
ونجد نفس الشعور أحيانا .. ربما إجهاد وربما
لأسلوب المعلم أو لضعفنا ..
فلما عدنا من رحلتنا بعد صلاة
العصر .. وقد جلس بعض طلابي في المدرسة ينتظرون أولياء
أمورهم ..
فآثرت البقاء معهم وتبادل الحديث حتى يأتون أولياء الأمور ..
وجلسنا
نتناقش حول الرحلة وما حدث فيها من لطائف ..
فهذا يضحك ويقول يا
أستاذ حرام عليك غرقتنا في المسبح ..
وهذا يداعب بسقوطي في ملعب
السلة ..
ويحكون مواقفهم التي لم أكن معهم فيها حيث كنت متنقلا ..
بين الطلاب المتوزعين على أربع ملاعب كبيرة ..
ومراقبتهم عن بعد
للإطمئنان عليهم وأن الأمور تسير على مايرام ..
ونحن في هذه الجلسة
الماتعة .. وإذا بالطلاب جاءهم من يأخذهم وبقي أحدهم وقد ( نام ) والده
!!!
ولا يوجد من يذهب به للمنزل .. فلم أتردد في أخذه لمنزله
..
وذهبت به .. وفي الطريق ..
جاءت بعض العلامات
المفزعة .. !!
المنبئة عن سيل عرم .. حيث كانت السماء فيها سواد
غريب .. والجو مغيم لكن أصبحت الغيوم سوداء
بشكل ملفت للنظر .. وعلى
قرب من منزل الطالب ..
تذكرت قوله تعالى :
((فَفَتَحْنَا
أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا
فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ))
في دقائق قليلة
جدا أصبحت اليابسة التي أمشي عليها بحيرات .. تغمر السيارات بشكل غريب
...
البرد الذي كان مرافقا لحبات المطر .. وشق اليابسة .. قد فلق
رؤوس الموجودين ..
مطر شديد جدا .. مع ريح شديدة .. لا تكاد ترى
منها شيئا .. فأصبح النساء والرجال يجرون بسرعة جنونية ..
لبيوتهم
.. الأمر كان مفزعا بكل ما تعنيه الكلمة ..
انطلقت بسرعة للمنزل لكن
هيهات ..
السيارات بدأت تعلن تعطلها .. والمركبات تسير بهدوء وبدأت
حوادث السير ..
أصوات أجهزة إنذار الدفاع المدني .. تعم أرجاء الطرق
التي أسير معهم منذرا بكوارث حدثت ..
كل هذا حدث في ( سبع دقائق فقط
) فسبحان الرحيم !!
انتقيت طريقا ارتأيته هو الوحيد الذي يوصل
للمنزل .. وفعلا ذهبت معه وخرجنا من الزحام الشديد .. بالتي
والتي
اتسع الشارع قليلا .. ذهبت مع طريق إحدى الجامعات فلما
وازيتها كانت المياه طبيعية نوعا ما حيث كانت تغمر
إطارات السيارات
فقط !! وكان هذا خفيفا نوعا ما ..
فسرت .. مع السيارات وقد بدأت
شيئا فشيئا بالوقوف على جنبات الطريق لتعطلها بعد أن غمرت محركاتها
المياه
وكنت أسير .. وأسأل الله أن يخرجني من هذا المأزق
..
وفي لحظة .. !!
أفاجأ في يساري بموج كبير محمل
بالتراب وبقايا نفايات الناس في الشارع الثاني ...
وهو قادم تجاهنا
.. !! تجاهي وعلى جهتي .. فارتطم بقوته على باب السائق ...
لأفاجأ
بمنسوب المياه .. ارتفع ليزيد على نصف باب السيارة !!وقارب النافذة
..
كاد أن يغمر سيارتي بالكامل .. فلم يبق إلا أقل من نصف ما غمرته
المياه .. !!!
فبلغ مني الخوف مبلغه .. حيث أني سأكون في عداد
الغرقى .. أنا والسيارة .. والموقف حرج جدا .. السيارات التي معي وقفت مباشرة بقينا
سيارتين .. نتحرك في داخل هذا البحر ..
وبيننا وبين الموت أن تتوقف
السيارة .. وتطفأ محركاتها بحكم غمر المياه لكامل المحركات في الداخل
..!!
وفعلا حينها .. رفعت يدي لكاشف الكربات بصوت مرتفع
..
بأن ينجيني الله من هذه الكربة .. فالغرق موت بشع .. تموت فيه
ألف موتة ..
تذكرت الكثير الذين ماتوا في المدينة النبوية
..
أحدهم فقد في أحد السيول ثمانية من أفراد أسرته !!! فبقي وحيدا
في بيتهم ..
دعوت الله سبحانه مخلصا له الدين ككثير دعوا الله في
ذلك الموقف .. لأنه آمنوا به إيمانا كاملا .. في تلك المحنة
لكن لا
ندري – إن كتب الله لنا النجاة – هل سنجدد التوبة .. ؟؟؟
ولماذا لا
نفكر في التوبة إلا حينما نصافح الموت في موقف يعسر علينا فيه النجاة ..
؟؟
أم نريد أن نجعل من فرعون لنا قدوة :
((وَجَاوَزْنَا
بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا
وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ
إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
))
أخرجني الله من هذا المأزق بأعجوبة .. !!ظننتها كرامة .. لأني لا
أذكر أحدا خرج إلا نحن الاثنين .. والبقية داخل السيل ..
عدت إلى
منزلي .. وتأملت قليلا وأعدت الأوراق وتذكرت ذلك الحلم المفزع
..
وسألت الله حسن الخاتمة ..
وأن يكتبني في عباده
الصالحين ..
والله وحده المستعان
المؤمن كالغيث
فهل من معتبر؟؟