المؤمن كالغيث
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
وبعد
في أيام الاختبارات وغيرها يأتي الطلاب للمسجد النبوي
يشتكون من مادة لطيفة
تدعى الفرائض وهي من المواد الممتعة والتي
أشرف بتدريسها حاليا في حلقة شيخنا -حفظه الله-
الخاصة بعلم الفرائض
في المسجد النبوي الشريف ..
فتأتي عجائب وغرائب
..
فهذا رجل جاوز الستين يأتي ليتعلم الفرائض ويذهلني ابتداءا بعد
أول درس عملي بمباشرة
حل ما يقارب من أربعة عشر مسألة فرضية تطبيقية
على الدرس بدون أن يخطئ ..!! ما شاء الله
وهذا صغير في المرحلة
المتوسطة أحيل عليه في تصحيح أعسر المسائل في الفرائض ولا أحتاج إلى
تعقيب
أو مراجعة لتصحيحه !! من جودته رغم صغر سنه جدا
..
-------------------------------
في يوم
من الأيام جاء أحد الزملاء وقال لي : هذا فلان
وعنده اختبار ويحتاج
للمراجعة ..
فما ترى ؟؟
قلت له : أبشر ويبشر زميلك
..
شاب في المرحلة الجامعية ، خلوق جدا ، وهادئ الطبع ، غير أنه ممن
ابتلي بمظهر الشباب ممن يحلق لحيته
ويجعلها على أشكال مختلفة من
الأشكال التي ابتلوا بها الشباب في هذه الأيام ...
وهو ابن لأحد
المشايخ ..
(( قد يتعجب البعض فيقول ابن شيخ !!! وحليق وثوبه و و و
))
وهنا مكمن الخطأ ..
فجلست معه ذات مرة
...
وإذا به على خجل تحدث عن أحد معلميه في الجامعة وقد قال
:
كنت في محاضرة لأحد المشائخ فأخرج مذكرة التحضير ليحضر الموجود من
الطلاب في القاعة في الجامعة ..
فقرأ الاسم : فلان بن فلان بن فلان
..
فرفعت يدي !!
فنظر لي بتعجب وأنا خارج من عنده ..
!! فيها نوع احتقار ..
فقال لي : إنت ابن الشيخ فلان ..
؟؟
قلت له : نعم ..
وقد عرفت أنه سيكلمني على اللحية
..
فنظر إلي نظرة شاملة لثوبي ولحيتي وقال لي : طيب
!!
وين اللحية وليش ثوبك بهذه الصورة .؟؟
فكظمت ما
في نفسي
وقلت له : ادع لي بـالهداية .. !!
خرجت من عنده ..
وأنا مجروح من أسلوبه لماذا بهذه الصورة يخاطبنا ..
وانتظر مني أن
أهاجمه – كما هي عادة الكثير عفى الله عنا وعنهم –
فقلت : أن الشيخ
أخطأ .. وخطأ فاحش ..!!
كيف يخاطبك بهذا الأسلوب أنت تعرف الحكم
الشرعي ووالدك قد كلمك يقينا ..
فأنت الآن تعرف وعلى علم وليس لأحد
أن يحرجك !!
!!
لا تزال نظرات زميلنا نظرات استغراب .. وظنني
أستهزء به !!
لأن العبارة حديثة من شخص بهيئتي .. يتحدث بهذا
الأسلوب ..
ولا زلت أجلس معه وأتحادث وأتبسط في الحديث حتى المداعبة
اللطيفة المهذبة ..
حتى أنني أخذته لعشاء .. خاص به لا يشاركه فيه
غيره ..
ولم أتطرق فيها لأي موعظة .. !!
فاستقرت
نفسه جدا .. وشعر أني أخوه الذي لم تلده أمه .. فلا يستطيع أن يجلس يومين إلا و
يأتي عندي في الحرم
ليسأل ويتصل دوما ..
وهكذا فلتكن
النصيحة .. ليس النصيحة المباشرة دائما هي المطلوب ..
بل ما بقي في
نفس المنصوح .. هو المراد وغاية المرام ..
فكم نتوقع أنني أرسلت له من نصيحة
بدون أن أتكلم بكلمة واحدة .. !!
فنحن حقيقة لا نحتاج لنصيحة فقيه
لا يحسن الأسلوب
بل نحن نحتاج إلى ( فقه النصيحة
)
إضاءة :
جاء في صحيح مسلم عن علي مرفوعا أن النبي صلى الله
عليه وسلم إذا قام من الليل ]يدعو ويجعل في دعائه[: ( و اهدني لأحسن الأخلاق لا
يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا
أنت)
محبكم
المؤمن كالغيث