مرام الإسلام عضو متالق
عدد الرسائل : 218 العمر : 48 تاريخ التسجيل : 21/10/2008
| موضوع: أمنيتي أن أغلق عيني ثم أفتحهما فلا أرى برقع جزء 5 و الأخير السبت فبراير 21, 2009 1:40 pm | |
| 10. يقظة: ثم أمسك عن الكلام هنيهةً ، فنظرت إليه فإذا سحابة سوداء تنتشر فوق جبينه شيئاً فشيئاً ، حتى لبست وجهه، فزفر زفرةً خلت أنها خرقت حجاب قلبه ، ثم أنشأ يقول: آه ما أشد الظلام أمام عيني ! وما أضيق الدنيا في وجهي ! في هذه الغرفة على هذا المقعد تحت هذا السقف كنت أراهما جالسين يتحدثان فتملأ نفسي غبطة وسروراً، وأحمد الله على أن رزقني بصديق وفي يؤنس زوجتي في وحدتها ، وزوجة سمحة كريمة تُكرم صديقي في غيبتي ، فقولوا للناس جميعاً : إن ذلك الرجل الذي كان يفخر بالأمس بذكائه وفطنته ، ويزعم أنه أكيس الناس وأحزمهم قد أصبح يعترف اليوم أنه أبله الى الغاية من البلاهة ، وغبي الى الغاية التي لا غاية وراءها. والهفاً على أم لم تلدني وأب عاقر لا نصيب له في البنين. لعل الناس كانوا يعلمون من أمري ماكنت أجهل ولعلهم كانوا اذا مررت بهم يتناظرون ويتغامزون ويبتسم بعضهم الى بعض ، أو يحدقون إلي ويطيلون النظر في وجهي ليروا كيف تتمثل اليلاهة في وجوه البله ، والغباوة في وجه الأغبياء ! ولعل الذين كانوا يتوددون إلي ويتمسحون بي من أصدقائي إنما كانوا يفعلون ذلك من أجلها لامن أجلي ؟ ولعلهم كانوا يسمونني فيما بينهم قواداً ويسمون زوجتي مومساً، وبيتي ماخوراً وأنا عند نفسي أشرف الناس وأنبلهم ! فوارحمتاه لي إن بقيت على ظهر الأرض بعد اليوم ساعة واحدة ، ووالهفاً على زواية منفردة في قبر موحش يطويني ويطوي عاري معي ! ثم أغمض عينيه ، وعاد إلى ذُهوله واستغراقه. 11. شك: وهنا دخلت الحجرة مرضع ولده، تحمله على يدها ، حتى وضعته بجانب فراشه ، ثم تركته وانصرفت ، فما زال الطفل يدب على أطرافه حتى علا صدر أبيه ، فأحس به ، ففتح عينيه فرآه فابتسم لمرآه وضمه الى صدره ضمة الرفق والحنان وأدنى فمه من وجهه ليقبله، ثم انتفض فجأة واستسر بشره ، ودفعه عنه بيده دفعةً شديدةً وأخذ يصيح: أبعدوه عني ، لا أعرفه ، ليس لي أولاد ولا نساء ، سلوا امه عن ابيه من هو ؟ واذهبوا به اليه ! لا ألبس العار في حياتي وأتركه أثراً خالداً ورائي بعد مماتي . وكانت المرضع قد سمعت صياح الطفل فعادت اليه ، وحملته وذهبت به ، فسمع صوته وهو يبتعد عنه شيئاً فشيئاً فأنصت اليه واستعبر باكياً وصاح : أرجعوه إلي ؛ فعادت به المرضع فتناوله من يدها وأنشأ يُقلب نظره في وجهه ويقول : في سبيل الله يابني ما خلف لك ابوك من اليتم ، وما خلفت لك أمك من العار ، فاغفر لهما ذنبهما اليك ، فلقد كانت أمك امرأة ضعيفةً ، فعجزت عن احتمال صدمة القضاء فسقطت ، وكان أبوك حسن في جريمته التي اجترمها ، فأساء من حيث أراد الإحسان. سواء أكنت ولدي يابُني أم ولد الجريمة فإني قد سعدت بك حقبة من الدهر ، فلا أنسى يدك عندي حياً أو ميتاً ! ثم احتضنه اليه ، وقبله في جبينه قُبلة لا أعلم : هل هي قبلة الاب الرحيم ، أو المحسن الكريم؟ 12. موت: وكان قد بلغ منه الجهد ، فعاودته الحمى وغلت نارها في رأسه ، ومازال يثقل شيئاً فشيئاً حتى خفت عليه التلف ، فأرسلت وراء الطبيب فجاء وألقى عليه نظرةً طويلةً ، ثم استردها مملوءة يأساً وحزناً . ثم بدأ ينزع نزعاً شديداً ويئن أنيناً مؤلماً فلم تبق عين من العيون المحيطة به إلا ارفضت عن كل ماتستطيع أن تجود به من مدامعها . فإنا لجلوس حوله وقد بدأ الموت يُسبل أستاره السوداء على سريره وإذا امرأة مؤتزرة بإزار أسود قد دخلت الحجرة وتقدمت نحوه ببطء حتى ركعت بجانبه ثم أكبت على يده الموضوعة فوق صدره فقبلتها وأخذت تقول له : لاتخرج من الدنيا وأنت مرتاب في ولدك ، فإن أمه تعترف بين يديك وأنت ذاهب الى ربك ، أنها وإن كانت قد دنت من الجريمة ولكنها لم ترتكبها ،فاعف عني يا والد ولدي واسأل الله عندما تقف بين يديه أن يلحقني بك فلا خير لي في الحياة من بعدك . ثم انفجرت باكية .. ففتح عينيه ، وألقى على وجهها نظرة باسمة ، كانت هي آخر عهده بالحياة وقضى !. 13. ختام: ….الآن عدت من المقبرة بعد ما دفنت صديقي بيدي ، وأودعت حفرة القبر ذلك الشباب النضر، والروض الزاهر ، وجلست لكتابة هذه السطور وأنا لا أكاد أملك مدامعي وزفراتي ، فلا يهون وجدي عليه، إلا أن الأمة كانت على باب خطر عظيم من أخطارها فتقدم هو أمامها الى ذلك الخطر وحده ، فاقتحمه ، فمات وحيداً …فنجت بهلاكه!!! أخوكم متواطئ مع الحق
|
أمنيتي ((أن أغلق عيني ثم أفتحهما فلا أرى برقع)) |
| | |
|