وقلتم لها :لابد لك أن تختاري زوجك بنفسك، حتى لا يخدعك أهلك عن سعادة
مستقبلك، فاختارت لنفسها أسوأ مما اختار لها أهلها ، فلم يزد عُمر سعادتها
على يوم وليلة، ثم الشقاء الطويل بعد ذلك والعذاب الاليم .
وقُلتم لها : ان الحب اساس الزواج ، فما زالت تقلب عينيها في وجوه الرجال
مُصعدة مصوبة حتى شغلها الحب عن الزواج فعُنيت به عنه!
وقلتم لها :ان سعادة المراة في حياتها ان يكون زوجها عشيقها ،وما كانت تعرف
إلا أن الزوج غير العشيق ،فأصبحت تطلب في كل يوم زوجاً جديداً يُحي من لوعة
الحب ما أمات الزوج القديم .فلا قديماً استبقت ولا جديداً أفادت.
وقلتم لها: لابد أن تتعلمي لتحسيني تربية ولدك ، والقيام على شؤون بيتك
،فتعلمت كل شئ الا تربية ولدها ، والقيام على شؤون بيتها.
وقلتم لها : نحن لانتزوج من النساء الا من نحبها ونرضاها ويلائم ذوقها ذوقنا
، وشعورها شعورنا، فرأت أن لابد لها ان تعرف مواقع أهوائكم ، ومباهج أنظاركم
لتتجمل لكم بما تحبون ، فراجعت فهرس حياتكم صفحة صفحة فلم ترى فيه غير اسماء
الخليعات المستهترات ، والضاحكات اللاعبات ، والإعجاب بهن ،والثناء على
ذكائهن وفطنتهن ، فتخلعت واستهترت لتبلغ رضاكم ، وتنزل عند محبتكم ، ثم مشت
اليكم بهذا الثوب الرقيق الشفاف تعرض نفسها عليكم عرضاً ،كما تعرض الامة
نفسها في سوق الرقيق ، فأعرضتم عنها ونبوتم بها ، وقلتم لها : انا لا نتزوج
النساء العاهرات ،كأنكم لا تبالون ان يكون نساء الامة جميعاً ساقطات اذا سلمت
لكم نساؤكم ، فرجعت ادراجها خائبةً منكسرة وقد اباها الخليع ، وترفع عنها
المحتشم ، فلم تجد بين يديها غير باب السقوط فسقطت!!
6. اصلاح:
وكذلك انتشرت الريبة في نفوس الامة
جميعاً وتمشت الظنون بين رجالها ونسائها ، فتعاجز الفريقان وأظلم الفضاء
بينهما ،وأصبحت البيوت كالأديرة لا يرى فيها الرائي إلا رجالاً مترهبين ونساء
عانسات!
ذلك بكاؤكم على المراة ايها الراحمون ، وهذا رثاؤكم لها وعطفكم عليها !
نحن نعلم كما تعلمون ان المراة في حاجة الى العلم –فليُهذبها أبوها او أخوها
، فالتهذيب انفع لها من العلم- والى اختيار الزوج العادل الرحيم ، فليحسن
الآباء اختيار الازواج لبناتهم وليُجمل الازواج عشرة نسائهم ، والى النور
والهواء تبرز اليهما وتتمتع فيهما بنعمة الحياة ، فليأذن لها اولياؤها بذلك
وليرافقها رفيق منهم في غدواتها وروحتها كما يرافق الشاة راعيها خوفاً عليها
من الذئب ، فان عجزنا عن ان ناخذ الآباء والاخوة والازواج ، بذلك، فلننفض
أيدينا من الامة جميعها نسائها ورجالها ، فليست المرأة بأقدر على اصلاح نفسها
من ارجل على اصلاحها.
7. تقليد:
أعجب ما أعجب له في شؤونكم أنكم
تعلمتم كل شئ الا شيئاً واحد اً هو ادنى الى مدارككم ان تعلموه قبل كل شئ
،وهو ان لكل تربة نباتاً ينبت فيها ، ولكل نبات زمناً ينمو فيه!
رأيتم العلماء في اوربا يشتغلون بكماليات العلوم بين امم قد فرغت من
ضرورياتها ، فاشتغلتم بها مثلهم في امة لايزال سوادها الاعظم في حاجة الى
معرفة حروف الهجاء!
ورايتم الفلاسفة فيها ينشرون فلسفة الكفر بين شعوب ملحدة لها من عقولها
وآدابها مايغنيها بعض الغناء عن ايمانها ، فاشتغلتم بنشرها بين امة ضعيفة
ساذجة لايغنيها عن ايمانها شئ ان كان هناك مايغني عنه !
ورأيتم الرجل الاوربي حراً مُطلقاً يفعل ماشاء ويعيش كما يريد لأنه لايستطيع
أن يملك نفسه وخطواته في الساعة التي يعلم فيها انه قد وصل الى حدود الحرية
التي رسمها لنفسه فلا يتخاها ، فأردتم ان تمنحوا هذه الحرية نفسها رجلاً ضعيف
الارادة والعزيمة، يعيش من حياته الادبية في رأس منحدر زلق ان زلت به قدمه
مرة تدهور من حيث لا يستطيع أن يستمسك حتى يبلغ الهوة ويتردى في قرارتها .
ورأيتم الزوج الاوربي الذي أطفأت البيئة غيريته وازالت خشونة نفسه وحُرشتها
يستطيع أن يرى زوجته تُخاصر من تشاء ،وتصاحب من تشاء ، وتخلو بمن تشاء ؛ فيقف
اما ذلك المشهد موقف الجامد المتبلد ، فأردتم الرجل الشرقي الغيور المتلهب ان
يقف موقفه، ويستمسك استمساكه.
ورأيتم المراة الاوربية الجريئة المُتفتية في كثير من مواقفها مع الرجال أن
تحتفظ بنفسها وكرامتها فأردتم من المراة المصرية الضعيفة الساذجة أن تبرز
للرجال بروزها ، وتحتفظ بنفسها احتفاظها!
وكل نبات يزرع في ارض غير ارضه ، أو في ساعة غير ساعته ، اما أن تأباه الأرض
فتلفظه ، واما ان ينشب فيها فيفسدها .
انا نضرع اليكم باسم (الله ،واضعين امامكم) الشرف الوطني والحرمة الدينية أن
تتركوا تلك البقية الباقية من نساء الامة مطمئنات في بيوتهن ، ولا تزعجوهن
بأحلامكم وآمالكم كما أزعجتم من قبلهن ، فكل جرح من جروح الامة له دواء الا
جرح الشرف ، فان أبيتم الا ان تفعلوا فأنتظروا بأنفسكم قليلاً ريثما تنتزع
الايام من صدروكم هذه الغيرة التي ورثتموها عن آبائكم وأجدادكم لتستطيعوا أن
تعيشوا في حياتكم الجديدة سعداء آمنين.