هو أبو عبدالله محمد بن عمر الطبرستاني الرازي المولد، الملقب فخر الدين المعروف بان الخطيب الفقيه الشافعي ..
والرازي من أشهر متكلمي الأشاعرة، وهو صاحب القاعدة الكلية التي انتصر فيها للعقل وقدَّمه على الأدلة الشرعية التي صرح بأنها لا تفيد اليقين ولا يجوز التمسك بها [راجع المطالب العالية 9/113-118] وهذا طعن بالله الذي أنزل هذه الأدلة وسماها برهاناً كما قال: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم} ويلزم منه عدم التيقن بالبعث والنشور الذي قرر الأشاعرة أنه يقتصر في التدليل عليها بالأدلة النقلية. فيلزم منه أن يصير الدين كله ظنياً لأن أسا الدين "قال الله وقال الرسول" والله نهى عن إتباع الظن.
شرط إعتزالي لقبول النصوص الشرعية:
وكان الرازي قد قرر أنه لا يصح الاعتماد على الأدلة اللفظية –أي الكتاب والسنة- وعدم إفادتها اليقين إلا بعشرة شروط: عصمة رواة مفردات تلك الألفاظ وإعرابها وتصريفها وعدم الاشتراك والمجاز والنقل والتخصيص بالأشخاص والأزمنة، وعدم الإضمار، والتأخير، والتقديم، والنسخ، (وعدم المعارض العقلي) الذي لو كان لرجح عليه" [راجع محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين 71]
وهذا من أصول الإلحاد في الدين والتشكيك فيه، ومدخل للإلحاد وانعدام الثقة بكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا شهد الحافظ ابن حجر على الرازي فقال: (له تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث الحيرة، وكان يورد شبه الخصم بدقة ثم يورد مذهب أهل السنة على غاية من الوهاء) [لسان الميزان 4/426-429]
وشروطه من باب تكثير المقدمات من غير حاجة، وهو كذب ظاهر فإن الصحابة والتابعين وأئمة الفقه والنحو والتفسير لم يطرحوا مثل هذه الشروط التعجيزية لقبول النصوص السمعية.
والذين {بالآخرة هم يوقنون} إنما استفادوا اليقين من الأدلة اللفظية فإن عقولهم لا تعرف شيئاً عن تفاصيل الآخرة ولا تهتدي إليه وهو ما اعترف المتكلمون به وصرحوا بأن أمور الآخرة والمعاد لا مدخل للعقل فيها.
لقد كان الرازي متفلسفاً يأخذ من قواعد الفلاسفة ويصبها في قالب المذهب الأشعري وكانت له شروح كتب الفلاسفة أهمها (شرح ابن سينا) و(المباحث الشرقية) وفي هذا الأخير 1/382-383 يوجه اللوم على من يشوه صورة الفلاسفة ولا يؤول كلامهم على أحسن المحامل! ولذا وصفه السنوسي في الكبرى بأنه مولعاً بآراء الفلاسفة [راجع شرح السنوسية الكبرى ص41].
غير أن الرازي قلَّتْ ثقته بالعقل الإنساني وأدرك عجزه فأوصى وصية تدل على أنه حسن اعتقاده فقال قبل موته: "لقد تأملت الكتب الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تروي غليلاً .. " [راجع فتح الباري 13/350 وإتحاف السادة المتقين للزبيدي 1/174]
ونجـــــد عن السبكي تفاصيل هذه الوصية [راجع طبقات الشافعية 5/33] وفيها يظهر الندم على تعاطي علم الكلام عندما كان أشعرياً، ولم تكن توبته من الاعتزال .. فهل يجوز أن يظل بعض الناس مُصِرَّين على الاقتداء به في أصل الدين؟! متجاهلين وصيته؟!
وقد أبدى قلة ثقته بالعقل أثناء استعراض أقوال المعتزلة والأشاعرة حول مسألة التحسين والتقبيح العقليين قائلاً: "وأعلم أن هذه المذاهب ظهر في كل واحد منها من المدائح والقبائح، فعند هذا قال أصحاب الحيرة والدهشة:إن هذه الدلائل ما بلغت في الوضوح والقوة إلى حيث تزيل الشك وتملأ بقوتها ونورها: العقل. بل كل واحد منها يتوجه فيه نوع غموض" [راجع المطالب العالية 4/426]
وقد نظم بعض الأبيات في وصف حال أهل الكلام بعد أن تاب:
نهايــــة إقــــــدام العقـــول عقال *** وأكثر سعي العالمين ضـــلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا *** وحاصل دنيانــــــا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا *** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
يقول الذهبي: (وفد بدت من تواليفه بلايا وعظائم، وسحر وانحرافات عن السنة، والله يعفو عنه، فإنه توفي على طريقة حميدة، والله يتولى السرائر)
وهكذا لما اعتمدوا العقل زادت شكوكهم، فنسأل الله أن يقبل توبته ويغفر لنا وله.
فائدة:
قد اعترف السبكي بتراجع الرازي عن منهج المتكلمين وذكر الحافظ أنه كتب وصية تدل على أنه حسن اعتقاده. ولكن النص كما عن السبكي مخالف لما ذكره الذهبي وابن كثير(قارن بين طبقات الشافعية 5/37 وبين البداية والنهاية 13/56 وسير أعلام النبلاء 21/501 فإن توبة الرازي وتراجعه عن أهل الكلام والمبتدعين إلى منهاج السلف لا يروق للسبكي وكيف لا والسبكي يعتبر الرازي والغزالي من مجددي الإسلام كما في طبقاته 1/202.
المرجع: موسوعة أهل السنة للشيخ دمشقية 1/446-447.
أعده
المنهج - شبكة الدفاع عن السنة
رجوع الرازي عن التأويل